Tuesday, July 26, 2011

مصر بين تغيير الوجوه وتغيير الأسلوب د.علياء رافع

  
أخذ التشكيل الجديد لوزارة شرف إهتماما كبيرا من كل المصريين، ولا شك أن الإستجابة لضغط الشارع أمر محمود، ومشكور للقائمين على الحكم. ولكن  يجب أن ننتبه إلى أن هناك فرقا كبيرا بين التعجيل بتحقيق أهداف الثورة كاملة، وبين سياسة التهدئة التي تقوم على تلبية بعض المطالب  والتباطؤ في أخرى. ولا بد أن يدرك القائمون على إدارة البلاد أن الشعب لم يعد غافلا عن التفرقة بين الأمرين. أراد الشعب ومازال يريد أن يسقط النظام الفاسد دون الإضرار بمصالح الدولة. ما زال السؤال قائما: لماذا لا يستجيب المجلس العسكري بصورة شاملة للمطالب الجماهيرية، لماذا تظل هذه الغصة والألم في نفس اللحظة التي تبدأ فيها الفرحة.  وعلى سبيل المثال مع المبادرة بالتعديل الوزاري، كان من المنتظر أن يتم تغيير وزير الداخلية، ولكنه  إستمر مما  أثار غضبا جماهيريا، لأنه المسئول الأول عما حدث يوم 28 يونيو، حيث بلغ عدد الجرحي  في الإشتباكات بين الأهالي والشرطة ألفا من المواطنين. ويجب الإشارة هنا، أن هناك قوة ما – وهي قوة مجهولة الهوية دائما ويطلق عليها البلطجية -  دخلت في إشعال الموقف.  ولكن ما أثار الجمهور أن القنابل المسيلة للدموع تم إستخدامها بغزارة شديدة، وأن هناك أسلحة حية قد أستخدمت مرة أخرى.
كان يوم 28 يونيو يوما آخر حزينا، ولكن تمخض عنه نجاح مظاهرات 8 يوليو، وأضاف صمودا إلى صمود الثوار وتصميما على أنه يجب المحاكمة العادلة السريعة ومحاسبة من تسببوا في مقتل الشهداء في يوم 28 ينايروالجرحي يوم 28 يونيو. وكان التغيير الوزاري أحد الأمور التي جاءت بعد هذا التجمع الحاشد، ولكن المثير للسخرية والنقد أن يظل وزير الداخلية في منصبه بعد التشكيل الوزاري، وأن يتم إستبعاد حازم عبد العظيم بعد أن تم ترشيحه، وأن يطلب من بعض الوزراء الإستغناء عن كفاءات عالية قبل إقالتهم فيستجيبوا، تحسبا لأطماع شخصية، أو لأهواء نفسية، تم الإستغناء عن تلك الكفاءات مع أن بعضهم له تاريخ وطني ذاخر، وإنجازات علمية وعالمية مشهودة. وهو ما يثير تساؤلا هاما يتعلق بالمرجعية الموضوعية التي يعتمد عليها إختيار الوزراء.  لا نريد أن نستبدل وجوها بوجوه أخرى، أو أن يكون التغيير للتغيير، ولكن لا بد من منهجية موضوعية معروفة للناس أجمعين تتلاءم مع إستيعاب مفهوم الثورة. بعبارة أخرى إذا جاءت وزارة جديدة غير قادرة على التعامل مع الواقع وقضاياه بمنطق الثورة ونبضها، فلن يكون هذا التغيير مؤثرا، وقد يثير مزيدا من الإحتجاجات.   
 وعندما أقول أن الإختيار يجب أن يكون موضوعيا ومتلائما مع متطلبات الثورة ،فهذا لا يعني أن الشخصيات التي يتم تكليفها بتحميل مسئلولياتها ممن لم يسبق لهم تولي مراكز تنفيذية في النظام السابق، لأن أغلب الكفاءات العالية كانت تعمل في هذا النظام. أعتقد أنه  من البديهي أن نقول أنه ليس كل من تقلد منصبا في العهد السابق ينتمي إلى النظام الفاسد، والدليل على ذلك أن عصام شرف قد شغل منصب وزيرا سابقا، وعلى الرغم من ذلك فقد خرج من عباءة الثورة، وإختاره الثوار. صحيح أنه خيب آمالهم، ولكن  كان هذا نتيجة لضعف في سياساته، ولا يشك أحد حتى هذه اللحظة في وطنيته.ومن البديهي أيضا أن ندرك أن مصر تذخر بالكثير من أبنائها الذين بذلوا جهودا خارقة  في العمل أثناء حكم الرئيس المخلوع من أجل مصر، ولولا جهود هؤلاء لكان حال مصر أسوأ مما هي فيه كثيرا. يجب إذن أن نفرق بين ثورة قامت ضد الفساد وضد نظام قمعي، وبين الإعتراف بالإنجازات التي قام بها شعب مصر في خلال الفترة السابقة كل من خلال موقعه.
نلاحظ على سبيل المثال أنه بالرغم من تدهور التعليم الجامعي، إلا أن أساتذة عظام أمثال محمد غنيم أستطاع في هذا الجو القاتم أن يقيم مركزا طبيا على أعلى مستوى. ولم يكن من الممكن لمجدي يعقوب أن يقوم بإنشاء مركز دولي لعلاج أمراض القلب في أسوان دون وجود أطباء لديهم من العلم والمهارة ما يمكنهم أن يكونوا جزءا من هذا الصرح الطبي.  سنجد أنه بفضل علماء وأساتذة مخلصين، أمكن إنشاء مركز للهندسة الوراثية تكون أبحاثه العلمية على مستوى عالمي، وكذلك تم إنشاء نظام الخبير في الزراعة الذي يقوم على تكنولوجيا الإتصال وإستخدام الذكاء الصناعي لمساعدة المزارع، وهو المركزالنموذج الوحيد في الشرق الأوسط. وأنشئت مكتبة الإسكندرية لتصبح منارة جديدة في الثقافة، ومركزا لتبادل المعلومات وتنشيط وتشجيع الحوار الثقافي، ثم مركز التوثيق الحضاري  الذي أصبح – بالإضافة إلى تحقيق هدف التوثيق عال القيمة للحفاظ على تاريخنا -  نموذجا علميا وصرحا تقنيا، تسعي مختلف الدول أن تستفاد من الخبرة التي قدمت له، ونال جائزة شبيهة بجائزة نوبل في التقنيات الحديثة.  هذا بالإضافة إلى المجهود الفردي الذي قام به علماء مصر عندما أخذوا مواقع دولية، في تدعيم التنمية والبحث العلمي في بلدهم الأم.  وتحية لكل مصري في النظام السابق آل على نفسه أن يتحدي جو الإحباط والتقهقر وعمل بإخلاص وإتقان.  لولا كل هؤلاء ما إحتفظت مصر بمكانتها اليوم، وما كان من الممكن لأبنائها أن يقوموا بهذه الثورة.
ليس المطلوب في هذه المرحلة بالفعل التركيز على هذه الإنجازات، لأن أمامنا الكثير من التحديات، ولكن عندما يتم التخلي عن بعض كفاءات دون تمحيص في إنجازاتها، ولأسباب غير مدروسة أو غير معلومة، أو لتهدئة وقتية، فإن هذا من شأنه أن يضر بالبلاد أكثر من إفادتها. ولهذا أثارإستبعاد حازم عبد العظيم ثورة في الميدان، لأن الرجل كفاءة عالية معروفة، وكل ما إرتبط بإسمه من شائعات لا مجال له من الصحة.  ستظل الثورة في خطر إذا ما إستمرت القرارات عشوائية للتهدئة، وليست إستجابة لروح الثورة التي تريد أن تبني مصر جديدة. وعلى عكس مايقول البعض ومنهم الإسلاميون، فإن الثورة تستهدف الإستقرار وتدعو له، لأنه لا إستقرار بدون تحقيق الأهداف الثورية التي تتغيا قيما عليا، وطلبات محددة معروفة. أما من يتهمون من يقومون بالتظاهرات والإعتصامات بأنهم يهددون الإستقرار، فإنهم سيقودونا بالفعل إلى الوراء حيث القمع والقهر مرة أخرى. إن روح الشعب لن تموت بعد أن إستيقظت، وصوت الميدان يعبر عن تلك الصرخة التي لن تهدأ قبل أن تتحقق الحرية ليعيش كل موطن كريما محترما.

No comments:

Post a Comment