Tuesday, February 7, 2012

العنقاء لا تموت إلا في خيال الجاهلين


كيف يكون الإنسان إنسانا إذا لم يعتصر الألم قلبه وهو يرى مذبحة استاد بورسعيد، وهي أشبه بالأهوال والكوابيس منها إلى الحقيقة، وأقرب إلى الخيال من الواقع. ولكنها أحد مشاهد المسلسل الرهيب وغير المعقول أو المقبول الذي تعيشه مصر منذ أن بدأت الثورة وإلى اليوم. متى تجيء النهاية، هل من سبيل أن نرى نورا في نهاية هذا النفق المظلم الذي دفعنا إليه دفعا. كيف ولماذا تقتل أرواح بريئة، ذنبها الوحيد أنها دافعت عن الحرية في ثورة مجيدة بيضاء . ظهر الألتراس وفرض نفسه بقوة على المشهد الوطني في ثورتنا الطيبة السلمية المباركة. وشباب الألتراس من أطهر وأجمل شباب مصر، يملك من النبل ما لايقل عما يملكه من قوة الشباب وجرأته وشجاعته. أحلامه خضراء وتطلعاته بريئة، وبحثه عن الحلم والأمل بدأ بتشجيع الكرة، ولكنه لم يتوقف عندها، وتجاوزها إلى بذل النفس في حب الوطن.
ولأن هناك من يريد لهذه الثورة أن تموت ولمصر أن ترجع القهقرى، فوجئنا بهذه المذبحة، بعد أن مر 25 ينايرهذا العام (عام 2012) وما تلاه من أيام بسلام، وبعد أن ظهر الشعب المصري مرة أخرى بقوته وعنفوانه وتطلعه إلى الحق والخير، واستخدم خلاقيته وإبداعه في مسيرات تلف أنحاء الجمهورية من أقصاها إلى أقصاها، لتجمع كل المواطنين. وبين هذه الأعداد الضخمة، يستتب الأمن دون شرطة، وتختفي البلطجة والسرقات بقدرة قادر.  وعلى مدار العام الماضي، كان هذا ظاهرة متكررة فعندما تختفي الشرطة من المظاهرات المليونية يترسخ الشعور بالأمن والأمان. وتختقي الجرائم خارج الميدان.  كان خروج الملايين يوم 25 يناير إشارة مطمئنة للإستثمار فإرتفعت البورصة. ولكن كيف لأعداء مصر أن يرضوا بحالة الإطمئنان. أبى هؤلاء إلا أن يستمروا في الحرب الخفية، فإذا بالسطو على البنوك يبدأ كظاهرة لم تشهدها مصر على مدار السنوات التي عشتها، وهي كثيرة. ويخطف أطفال من هنا وهناك في مسلسل بث الفزع والإرهاب، وترسيخ كراهية ما جاءت به الثورة، ثم يجيء ميعاد موقعة الجمل لحدث أبشع منها، ألا وهو هذه المذبحة الشنعاء، ليموت ثلاثة وسبعين شهيدا، ويعاني المئات من الجراح والإصابات.  
وفي خضم الأحداث توجه الاتهامات إلى مجتمع طرة حيث يقيم شلة النظام السابق، ويبدو واضحا للعيان أن هذا المجتمع يحتل الآن الشماعة التي أصبح يعلق عليها كل أسباب الفوضى في البلاد. إنهم الطرف الثالث الذي يظهر ويختفي تبعا لمواقيت محددة وخطط مرسومة. كانت إيران وأمريكا وإسرائيل أياد خفية في المرحلة السابقة، تلك الأيادي التي قتلت المتظاهرين وسحلتهم ودهستهم واقتلعت عيونهم، واليوم توجه أصابع الإتهام إلى المختفين وراء الأسوار. وتأخذ التحليلات مسارا معقدا تختفي فيه الحقيقة، بينما يبدو الأمر أسهال من ذلك كثيرا. أولا لماذا اختفت الشرطة المؤسسية والشرطة العسكرية، ولماذا تقاعس الموجود منها عن القيام بدوره؟ ولماذا أغلقت أبواب الممرات التي تستخدم في أحوال كهذه؟ ولماذا غاب المحافظ عن حضور الماتش؟ ولماذا لا يتم القبض مباشرة على من قاموا بالقتل وقد سجلت الكاميرات صورهم؟ بل أسهل من ذلك كثيرا فإن تحقيقا مع أفراد الشرطة الذين كان منوطا بهم أن يقفوا دون حدوث هذه المجزرة أن يعللوا سبب عدم تدخلهم، وأن الضباط المسئولين أن يحقق معهم فورا.  لا أريد أن اخوض فيما خاض فيه غيري من تأكيد وجود مؤامرة ما، ولكن أريد فقط أن أؤكد أن المسئولين المباشرين عن هذا الحدث هم من يديرون شئون هذا البلد.  ولن تقودهم هذه الفوضى إلى ترسيخ اقدامهم ليسيطروا على هذا البلد، بل إنها تضعف من شوكتهم، وتضعهم في مأزق عسير أمام هذا الشعب.
لم يعد مقبولا اليوم أن يتشدق البعض بالقانون والتحقيقات العادلة، لأن هذا أمر لم يحقق العدل في خلال العام المنصرم، ونحن نرى أحكاما بالبراءة لكل المتهمين في قتل الثوار أثناء الثورة، بل والعناية الفائقة برفاهة الأسرة الحاكمة السابقة وأعوانهم وما ينفق عليهم من أموالنا نحن الشعب الذي تحول الثوار فيه إلى متهمين بالبلطجة والجريمة. إذن ما هو المخرج؟ قبل أن أتحدث عن المخرج يجب أن أتحدث عن المحاذير التي تبدو واضحة للعيان، ولكن الفتنة تعمي البصر، وتجعلنا نسير على غير هدى.
أولا: وعلى الرغم من التحفظات الكثيرة من موقف الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وموقف هذا الحزب من هذه المجزرة في البرلمان، إلا أننا لا يجب أن ننشغل بمعارك جانبية بين بعضنا البعض ونترك القضية الأساسية. وموقف الإخوان من المتظاهرين أمام مجلس الشعب يسجل عليهم الكثير من المآخذ التي تجعل الشك في ترتيب ما مع المجلس العسكري يأخذ منحى التيقن. ومع ذلك فإنني أتمنى أن نتغاضى عن هذه الاختلافات ونركز على المطالبة بالإسراع بإنتخاب رئيس للجمهورية.
ثانيا: لا أدري لماذا ينزلق هذا الجمهور من المتظاهرين إلى الشرك المنصوب لهم في التوجه إلى أماكن ترفع من مخاطر المواجة مع الجيش أو مع الشرطة. أتفق تماما انه من حقهم أن يتظاهروا سلميا أمام وزارة الداخلية  رمزا لاحتجاجهم على السياسات الأمنية. ولكن في هذا الوقت الذي أصبحنا فيه على يقين أن شباب الثورة الناشط لا بد من القضاء عليه، كيف يستعيد النظام الذي لم يرحل قوته، علينا ألا نعطي لهؤلاء فرصة يبررون فيهم عدوانهم.  ومع إدراكي وعلمي أن اندفاع أهل مصر نحو وزارة الداخلية لم يكن عملا منظما من الحركات الثورية، بل هو رد فعل طبيعي نتج عن الغضب من أنهار الدم التي تزهق دون مبرر، إلا أنني أصر أن قيادات الحركات الثورية وإئتلافات شباب الثورة تتحمل مسئولية جزئية في تبصير الجماهير بهذا الشراك المنصوب لهم.
ثالثا: أصبح مجلس الشعب سلطة شرعية وحيدة على الساحة اليوم، ولكن لا يعني هذا أن ما يتخذه من قرارات فوق النقد. ولذا أرجو أن  الأكثرية الممثلة في حزب الحرية والعدالة أن تدرك خطورة هذه اللحظة التاريخية وأن تتعامل معها بقدر المسئولية التي وضعها الشعب على كاهل هذه المؤسسة.  والكثيرون محبطون من القرار الضعيف الذي لم يتعد أن يكون تكوين لجنة تقصى حقائق فيما حدث. كانت المجزرة تتطلب من مجلس الشعب أن يقود الثورة من داخل جدرانه مطالبا بإسقاط حكومة الجنزوري فورا وهو أضعف الإيمان، وطلب رئيس المجلس العسكري ليوضح موقف المجلس أمام البرلمان من خلال طلب إحاطة.
رابعا: أتمنى ألا يفقد المصريون إيمانهم أن الثورة ستصل إلى بر الأمان، وأنه لن يهزمها جبروت، ليس فقط لأن هناك دماء زكية قد سالت وغذت جذوتها، ولكن لأن الدفاع عن العدالة والحرية أصبح أغلى عند المصريين من الحياة تحت القهر والذل والظلم. ولأن هذه النفوس النبيلة التي تؤكد وجودها تملك من القوة الروحية ما يؤهلها لنصر الله وتأييده، ولأن المحبة التي تنتشر بين المصريين على اختلاف دياناتهم وطباقاتهم ومهنهم وأصولهم الثقافية أقوى من مسلسل التفرقة والدمار الذي بدأ بعد تخلي مبارك عن مسئولياته ولم ينته، ونجح جزئيا، ولكن طبيعة هذه الشعب أقوى من كل عوامل التفرقة التي تهدده.
بإختصار يجب أن نتجنب كل ما يثير التفرقة بيننا نحن المصريين، وألا نقع في فخ المواجهة الجسدية المباشرة مع قوات الأمن أو الجيش لا خوفا، ولكن صيانة للدم. مع الاحتفاظ بالضغط في اتجاهات أخرى، ونحن قادرون على هذا، وألا نفقد الإيمان بنصرة الحق، لأن الإرادة التي ظهرت لن تضعف أبدا، ولأن هذا الشعب النبيل الذي ظهر عنصره الأصيل سيجذب طاقات الخير التي هي اقوى من أعتى الأسلحة. ولنعلم جميعا أن الطغاة ضعفاء، وأنهم يتسلحون بالعنف لأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا أنفسهم، وأن شوكتهم سريعة الإنكسار أمام سلمية الثوار وحشودهم. وليستمر الحشد إلى أن نحقق الحرية والكرامة والعيش الكريم لكل فرد على هذه الأرض الطيبة. من مصر ستنطلق رسالة السلام.

No comments:

Post a Comment